روائع مختارة | روضة الدعاة | السيرة النبوية | مواقف تربوية.. من السيرة النبوية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > السيرة النبوية > مواقف تربوية.. من السيرة النبوية


  مواقف تربوية.. من السيرة النبوية
     عدد مرات المشاهدة: 3935        عدد مرات الإرسال: 0

تعتبر السيرة النبوية بأحداثها وتفاصيلها مدرسة نبويّة متكاملة، لما تحمله بين ثناياها من المواقف التربوية العظيمة والفوائد الجليلة، التي تضع للدعاة والمعلمين والمربين منهج التربية وحسن التعامل مع مواقف الحياة ومجرياتها، وهذه بعض من المواقف التربوية من حياة وسيرة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: 

الشورى والمساواة من غزوة بدر والأحزاب: 

غزوة بدر هي إحدى الغزوات المليئة بالمواقف التربوية، ولعل من أبرزها موقف النبيـ صلى الله عليه وسلمـ في تأكيده لمبدأ الشورى، باعتباره مبدأً من مباديء الشريعة، وصورة من صور التعاون على الخير، يحفظ توازن المجتمع، ويجسّد حقيقة المشاركة في الفكر والرأي، بما يخدم مصلحة الجميع. .

فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو المؤيَّد بالوحي - استشار أصاحبه في تلك الغزوة أربع مرات:  حين الخروج لملاحقة العير، وعندما علم بخروج قريشٍ للدفاع عن أموالها، واستشارهم عن أفضل المنازل في بدر، واستشارهم في موضوع الأسرى، وكل ذلك لِيُعَُّلم الأمة أن تداول أي فكرة وطرحها للنقاش يسهم في إثرائها وتوسيع أفقها، ويساعد كذلك على إعطاء حلول جديدة للنوازل الواقعة.

وهذا الموقف التربوي في ترسيخ مبدأ الشورى ظهر كذلك جليا في غزوة الأحزاب، إذ لما سمع رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ بزحف الأحزاب إلى المدينة، وعزمها على حرب المسلمين، استشار أصحابه.

وقرروا بعد الشورى التحصن في المدينة والدفاع عنها، وأشار سلمان الفارسيـ رضي الله عنهـ اعتمادا علي خبرته في حرب الفرس، بحفر خندق حول المدينة، وقال:  " يا رسول الله، إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا ". . فوافقه وأقره النبيـ صلى الله عليه وسلمـ وأمر بحفر الخندق حول المدينة، وتمّ تقسيم المسؤولية بين الصحابة. .

لقد أنزل الرسولـ صلى الله عليه وسلمـ الشورى منزلتها ورسخَّها في حياة الأمة، إذ الحاجة إليها في الشدائد والقرارات المصيرية على غاية من الأهمية، فالشورى استفادة من كل الخبرات والتجارب، واجتماع للعقول في عقل، وبناء يساهم الجميع في إقامته، ولذا قال الله تعالى:  {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى: من الآية38) . .

كما أقرّ النبيـ صلى الله عليه وسلمـ في غزوة بدر والأحزابـ وغيرهما من غزواتـ بمبدأ آخر لا يقلّ أهمية عن سابقه، وهو تطبيق المساواة بين الجندي والقائد، ومشاركته لهم في الظروف المختلفة، يتضح ذلك في موقفه وإصراره ـ صلى الله عليه وسلمـ في غزوة بدر على مشاركة أبي لبابة وعلي بن أبي طالبـ رضي الله عنهماـ في المشي وعدم الاستئثار بالراحلة. .

وفي الأحزاب تولى المسلمون وعلى رأسهم رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ المهمة الشاقة في حفر الخندق، وكان لمشاركتهـ صلى الله عليه وسلمـ الفعلية في الحفر الأثر الكبير في الروح العالية التي سيطرت على المسلمين. .

لقد أعطى رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ في بدر والأحزابـ وغيرهما من الغزواتـ موقفا تربويا عمليا في الشورى وأهميتها، وفي مشاركته لأصحابه التعب والعمل، والآلام والآمال. .

لا. . للعصبية والفرقة في غزوة بني المصطلق: 

عند ماء المريسيع كشف المنافقون عن حقدهم الذي يضمرونه للإسلام والمسلمين، فسعواـ كعادتهم دائما إلى يومنا هذاـ إلى محاولة التفريق بين المسلمين، فبعد انتهاء الغزوةـ كما يقول جابر بن عبد اللهـ رضي الله عنه:  ضرب رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري:  يا للأنصار، وقال المهاجري:  يا للمهاجرين. .

فاستثمر المنافقونـ وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلولـ هذا الموقف، وحرضوا الأنصار على المهاجرين، فسمع ذلك رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ ، فقال:  (ما بال دعوى الجاهلية؟ ! ، قالوا يا رسول الله:  كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ:  دعوها فإنها منتنة) رواه البخاري.

فمع أن اسم المهاجرين والأنصار من الأسماء الشريفة التي تدل على شرف أصحابها، وقد سماهم الله بها على سبيل المدح لهم، فقال تعالى:  {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (التوبة: من الآية100).

إلا أن هذه الأسماء لما استُعْمِلت الاستعمال الخاطئ لتفريق المسلمين وإحياء للعصبية الجاهلية، أنكر ذلك رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ إنكارا شديدا، وقال قولته الشديدة:  (دعوها فإنها منتنة) ، وذلك حفاظا على وحدة الصف للمسلمين، والتحذير من العصبية بجميع ألوانها.

سواء كانت عصبية تقوم على القبلية، أو الجنس، أو اللون أو غير ذلك. . وهذا موقف تربوي عظيم من النبيـ صلى الله عليه وسلمـ للأمة الإسلامية على مر العصور. .

إقالة ذوي العثرات: 

عندما أكمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - استعداده للسير إلى فتح مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعةـ رضي الله عنهـ إلى قريش كتاباً يخبرهم بمسير رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ إليهم، ثم أعطاه امرأة.

وجعل لها أجراً على أن تبلغه إلى قريش، فجعلته في ضفائر شعرها، ثم خرجت به إلى مكة، ولكن اللهـ تعالىـ أطلع نبيه - صلى الله عليه وسلم - بما صنع حاطب، فقضىـ صلى الله عليه وسلمـ على هذه المحاولة، ولم يصل قريش أي خبر من أخبار تجهز المسلمين وسيرهم لفتح مكة. .

والخطأ الذي اقترفه هذا الصحابي الجليل ليس بالخطأ اليسير، إنه كشف أسرار الدولة المسلمة لأعدائها، ثم هذا الصحابي ليس من عوام الصحابة، بل هو مِن أولي الفضل منهم، إنه من أهل بدر، ويكفيه هذا شرفا، والصحابة بمجموعهم خير القرون بقول الرسولـ صلى الله عليه وسلمـ.

ومع كل هذا زلت به القدم في لحظة من اللحظات، وكَمْ للنفس البشرية من زلات، وهذا من سمات الضعف البشري والعجز الإنساني، ليعلم الله عباده المؤمنين بأن البشر ما داموا ليسوا رسلاً ولا ملائكة فهم غير معصومين من الخطأ، وهذا الذي عناه النبيـ صلى الله عليه وسلمـ بقوله: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) رواه أحمد.

وقد عامل النبيـ صلى الله عليه وسلمـ حاطباـ رضي الله عنهـ معاملة رحيمة تدل على إقالة عثرات ذوي السوابق الحسنة، فجعل - صلى الله عليه وسلم - من ماضي حاطب سبباً في العفو عنه، وهو منهج تربوي حكيم. .

فلم ينظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى حاطب من زاوية مخالفته تلك فحسبـ وإن كانت كبيرةـ ، وإنما راجع رصيده الماضي في الجهاد في سبيل الله وإعزاز دينه، فوجد أنه قد شهد بدراً، وفي هذا توجيه للمسلمين إلى أن ينظروا إلى أصحاب الأخطاء نظرة متكاملة، وأن يأخذوا بالاعتبار ما قدموه من خيرات وأعمال صالحة في حياتهم، في مجال الدعوة والخير، والعلم والتربية، والجهاد ونصرة دين الله. .

قال ابن القيم:  " من قواعد الشرع والحكمة أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يحتمل منه ما لا يحتمل لغيره، ويُعْفَى عنه ما لا يعفى عن غيره، فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، بخلاف الماء القليل، فإنه لا يحتمل أدنى خبث. ".

وإلى ذلك أشار النبيـ صلى الله عليه وسلمـ بقوله لعمرـ رضي الله عنهـ:  (وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال:  اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) رواه البخاري.

إن إقالة العثرة، والعفو عن صاحب الخطأ والزلة، ليس إقرارا لخطئه، ولا تهوينا من زلته، ولكنهاـ مع الإنكار عليه ومناصحتهـ إنقاذ له، بأخذ يده ليستمر في سيره إلى الله، وعطائه لدين الله. . ومن ثم فإقالة إقالة ذوي العثرات موقف تربوي عظيم من النبيـ صلى الله عليه وسلمـ للأمة طبقه مع حاطب بن أبي بلتعةـ رضي الله عنهـ . .

اذهبوا فأنتم الطلقاء: 

في السنة الثامنة من الهجرة نصر الله عبده ونبيه محمدا- صلى الله عليه وسلم - على كفار قريش، ودخل مكة فاتحًا منتصرًا، وأمام الكعبة المشرفة وقف جميع أهل مكة، وقد امتلأت قلوبهم رعبا وهلعًا، وهم يفكرون فيما سيفعله معهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن تمكن منهم، ونصره الله عليهم، وهم الذين آذوه.

وأهالوا التراب على رأسه، وحاصروه في شعب أبي طالب ثلاث سنين، حتى أكل هو ومن معه ورق الشجر، بل وتآمروا عليه بالقتل - صلى الله عليه وسلم - ، وعذبوا أصحابه أشد العذاب، وسلبوا أموالهم وديارهم.

وأجلوهم عن بلادهم، لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قابل كل تلك الإساءات بموقف تربوي كريم في العفوـ يليق بمن أرسله الله رحمة للعالمينـ ، فقال لهم:  (ما ترون أني فاعل بكم؟ ! ، قالوا:  أخ كريم، وابن أخ كريم، قال:  اذهبوا فأنتم الطلقاء) رواه البيهقي.

لا رجعة للوثنية: 

خرج مع رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ في غزوة حنين بعض حديثي العهد بالجاهلية، وكانت لبعض القبائلـ قبل الإسلامـ شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط يأتونها كل سنة، فيعلقون أسلحتهم عليها للتبرك بها، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها، وبينما هم يسيرون مع رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ إذ وقع بصرهم على الشجرة. .

يقول أبو واقد الليثي - رضي الله عنه -:  (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج إلى حنين مَرَّ بشجرة للمشركين يقال لها:  ذات أنواط، يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا:  يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:  سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى:  اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم) رواه الترمذي.

وهذا يعبر عن عدم وضوح تصورهم للتوحيد الخالص لحداثة إسلامهم، ولكن النبيـ صلى الله عليه وسلمـ مع رفقه بمن أخطأ لم يسكت على هذا الخطأ، بل حذر من آثاره ونتائجه، وأوضح لهم خطورة ما في طلبهم من معاني الشرك. .

وهكذا كان الرسولـ صلى الله عليه وسلمـ يربي أصحابه، ويصحح ما يظهر من انحراف في القول أو السلوك أو الاعتقاد، حتى في أشد الظروف والمواجهة مع الأعداء. .

فالمخطئ والجاهل له حق على مجتمعه، يتمثل في نصحه وتقويم اعوجاجه برفق، وبأفضل الطرق وأقومها، فلو أن المسلمينـ وخاصة الدعاة والمربينـ اقتدوا برسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ وبمواقفه التربوية مع أصحابه، وما فيها من حلم ورفق، ونصح وحكمة، لأثروا فيمن يعلمونهم تأثيراً يجعلهم يستجيبوا لتنفيذ أمر الله وهدي رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ . .

لن نُغلب اليوم من قلة: 

الغرور يمنع النصر، وإذا كانت غزوة بدر قررت للمسلمين أن القلة لا تضرهم شيئا بجانب كثرة أعدائهم، فإن غزوة حُنين أكدت أن كثرة المسلمين لا تفيدهم ولا تنفعهم إذا لم يكونوا مؤمنين صادقين، إذ كان المسلمون في حنين أكثر عددا منهم في أي معركة أخرى خاضوها من قبل، ومع ذلك لم تنفعهم الكثرة شيئا لما دخل إلى قلوبهم العجب والغرور، فقد حجب الغرورُ النصرَ عن المسلمين في بداية المعركة، حينما قال رجل من المسلمين:  " لن نُغْلب اليوم من قلة "، فشق ذلك على النبيـ صلى الله عليه وسلمـ فكانت الهزيمة. .

وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك بقوله:  {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} (التوبة: 25) . .

ومن ثم نبه رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ إلى أهمية الاستعانة بالله في الحروب وغيرها، ونِسْبة النصر والتوفيق إلى الله في كل شيء، فكان دائما في غزواته وحروبه إذا لقي العدو يقول:  (اللهم بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل) رواه أحمد. بك أحول:  أتحرك، وبك أصول:  أحمل على العدو. .

ولعلَّ هذا الموقف من أبلغ المواقف التربوية في غزوة حنين، وقد انتفع به الصحابة بعد ذلك في حروب كثيرة دارت مع الفرس والروم وغيرهما من أجناس الأرض، وما فَرَّ المسلمون الذين شهدوا حُنَيْنًا بعد ذلك، فكلهم أيقنوا أن النصر ليس بالعدد ولا بالعدة، وأن الكثرة لا تغني شيئا.

ولا تجدي نفعاً في ساحات المعارك، إذا لم تكن قد تسلحت بسلاح العقيدة والإيمان، وأخذت بأسباب النصر وقوانينه. .

فالنصر والهزيمة ونتائج المعارك لا يحسمها الكثرة والقلة والعدة فقط، وإنما ثمة أمور أُخَر لا تقل شأنا عنها، إن لم تكن تفوقها أهمية واعتبارا، قال الله تعالى:  {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (آل عمران: من الآية126) ، وقال:  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد:  7). .

إن المتأمل في حياة وسيرة النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ليعجب من فقهه في معاملة النفوس، وحكمته في تربيتها وإصلاح أخطائها، وعلاج ما بها من خلل، يظهر ذلك في مواقفه التربوية الكثيرة والجديرة بالوقوف معها لتأملها والاستفادة منها في واقعنا ومناهجنا التربوية.. 

ومن ثم تمر السنون والأعوام، وتظل سيرة وغزوات النبيـ صلى الله عليه وسلمـ نبراسا وهاديا، يضيء لنا الطريق في التربية والإصلاح، والعزة والتمكين. .
 

المصدر: موقع إسلام ويب